Saturday, January 2, 2010

مفتاح المقاصد ومصباح المراصد في زيارة بيت المقدس تأليف عبد الرحيم بن علي بن اسحق بن شيث القرشي المتوفى سنة 625هـ/1228م

مفتاح المقاصد ومصباح المراصد في زيارة بيت المقدس تأليف عبد الرحيم بن علي بن اسحق بن شيث القرشي المتوفى سنة 625هـ/1228م PDF

حاتم عبد اللطيف داود داود الحمد

بأشراف
الدكتور عدنان محمد ملحم -
لجنة المناقشة
1. د. عدنان محمد ملحم/ مشرفاً ورئيساً 2 أ. د. جمال جودة/ ممتحناً داخلياً 3. د. إحسان الديك/ ممتحناً داخلياً 4. د. عبد الرحمن المغربي/ ممتحناً خارجياً
495 صفحة
الملخص:

أبو القاسم عبد الرحيم بن علي بن الحسين بن اسحق بن شيث القرشي، يُنسب لبني أمية، ولد (بإسنا) سنة (563هـ/1167م) ونشأ (بقوص) فتلقى علومه فيها، وتنقل بين مصر والشام كثيرا حتى استقر به الأمر وزيراً وكاتباً للإنشاء لدى الملك المعظم عيسى، حتى وفاته في دمشق سنة (625هـ/1228م).

عُرف القرشي بتواضعه، وأخلاقه الحسنة، وكرمه، وصدقاته على العامة، ومَرَحِه، وحُسن عِشرَته، وتَديُّنه، وثقافته الواسعة في فنون الشعر والأدب وتفسير القرآن، فكان محبوباً بين العامة وعند الخاصة، تولى الكتابة في دواوين الإنشاء لسلاطين مصر وملوك الشام، وتشير مؤلفاته - ومنها كتابه موضع التحقيق – إلى تشيعه، فقد وُلد وترعرع في بيئة كانت معقلاً من معاقل التشيّع في مصر.

أجمع المؤرخون الذين ترجموا له على أنه بلغ مكانة رفيعة بين كُتّاب زمانه، فنعتوه بالعلاّمة المُنشئ البليغ، والإمام الفاضل الرئيس، وله من المؤلفات والأشعار ما يدلُّ على ذلك، فقد تتلمذ على يد القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي (ت596هـ/1199م) رئيس ديوان الإنشاء بمصر، وتخرّج على يديه أبو البركات المبارك بن أحمد المعروف بابن الشعّار الموصلي (ت654هـ/1256م) وغيره.

اتَّسم أسلوب ابن شيث القرشي بالطابَع القَصصي الديني، ولعلَّ الكتابة في مثل هذه المواضيع (الفضائل) تفرض على المؤلف انتهاج مثل هذا الأسلوب، فكثيراً ما كان القرشي يوضح القَصص والروايات ويعلِّق عليها، بالإضافة إلى اعتماده الطريقة النقلية في جمع مادة كتابه عمَّن سبقه من الكتّاب في هذا الميدان، فقد أخذ من كِتاب "فضائل البيت المقدّس" لأبي بكر محمد بن أحمد الواسطي (ت في القرن الخامس الهجري)، ونقل عن كتاب "فضائل بيت المقدس" لأبي المعالي المشَّرف بن المُرجّا المقدسي (ت492هـ/1098م)، كما انتهج طريقة الاختصار في تقديم مادته، وحذَف الأسانيد في الأخبار التي أوردها إلا في أحوال قليلة، وباختصار شديد، وبالرغم من ذلك، فقد تجاوز العديد من القصص الذي أورده في عدة صفحات، أضف إلى ذلك اهتمامه بإيراد الروايات الخيالية والخرافية (الإسرائيليات) التي هدف من خلالها إلى ترهيب مرتكبي الذنوب في الأماكن المقدسة.

استشهد القرشي بمائة وأربع وثلاثين آية قرآنية، وواحدٍ وأربعين حديثاً نبوياً، ومائة وثلاثة وستين بيتاً من الشعر في اثنتين وثلاثين مقطوعة شعرية، وظّفها جميعها لخدمة أغراض الكتاب من تعظيم بيوت الله تعالى، وإيقاظ الشعور الديني عند المسلمين للدفاع عن المقدسات الإسلامية، والحِرص على زيارتها، والإكثار من الأعمال الصالحة فيها، والدعاء عندها للحصول على المغفرة والأجر العظيم.

تبرز أهمية الكتاب في احتوائه على مادة دينية كبيرة، يظهر ذلك من خلال الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية المتعلقة ببيت المقدس، وأنواع العبادات التي تُستَوجَب ممارستها فيه، والأدعية التي تقال في أماكن معينة، وما ينبني على ذلك من أجر ومثوبة، وعرضه الروايات التي يقصد بها اجتذاب الزوار إلى بيت المقدس، وأهمية الزيارة، وقيمة الصلاة والصدقة وفعل الخير فيها، والرعاية الإلهية لسكان بيت المقدس وزائريه، وما يصيبهم من أجر في الدنيا والآخرة.

تميّز الكتاب عمّن سبقه من كتب الفضائل باحتوائه على مادة تاريخية كبيرة، كما في بناء بيت المقدس، وفتحه على يد عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي، وقيام دولة بني أيوب في مصر، وشموله على العنصر المعماري كما في الحديث عن المسجد الأقصى وقبابه ومحاريبه وأبوابه، حيث وضع دليلاً جغرافياً لزائري البيت المقدَّس عندما ذكر كثيراً من الأماكن التي يُحبَّذ زيارتها هناك، وأودع فيه المُؤلف مجموعة من الأدعية –وهي من تأليفه- ليدعو بها الزائر في الأماكن التي حددها في بيت المقدس، كما أفردَ باباً خاصاً في أهمية زيارة قبور الأنبياء وقبور عامة المسلمين، خاصة في الأرض المقدَّسة.

وبمقتضى ذلك وضع كُتّاب الفضائل نصب أعينهم إرشاد الزوار والحجاج إلى زيارة بيت المقدس، وتعريفهم بالأماكن المقدسة، وتعليمهم الشعائر والمناسك والصلوات والأدعية التي تُؤدى وتقال في كل مكان من هذه الأماكن في القدس الشريف، أي أنها كانت أدلة للحجاج والزوار.

إن إقبال الباحثين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي على وضع مؤلفات خاصة ببيت المقدس وفضائله يؤكد على اهتمامهم بهذه المدينة على مرِّ العصور، باعتبارها مدينة إسلامية قدَّستها الدولة الإسلامية عبر جميع مراحلها، فقد شهدت إما مولد أحد الأنبياء أو دفنه فيها، أو وجود مقام لأحدهم، أو لأحد الصحابة فيها.

وكان مما دفع ابن شيث القرشي وغيره من الكتَّاب -في ميدان الفضائل- للكتابة في فضائل بيت المقدس، حثّ النبي (r) على فتح الشام، والترغيب في سكناها، ونشر الدين فيها، ومن الناحية السياسية كانت الخلافات بين بني أمية وشيعة علي رضي الله عنه، وتعاقب الأمراء والدول في حكم الشام، وانتقال الخلافة من دمشق إلى بغداد قد لعبت الدور البارز في ذلك، يُضاف إلى ذلك دور القصّاصين الخطير الذي تمثل في وضع الأحاديث ونسبتها للرسول (r)، فتارة يمدحون هؤلاء، وأخرى يمدحون غيرهم، كسباً للمال.

لعل دخول علماء أهل الكتاب في الإسلام كان من الأسباب المباشرة في انتشار الإسرائيليات ودسِّها في ثقافة المجتمع الإسلامي، حيث كانت عندهم حكايات وفضائل عن كتبهم حدّثوا بها بعد إسلامهم، منهم كعب الأحبار الذي وردت عنه أخبار كثيرة في فضائل القدس والشام، وهي من تراث اليهود، ومنهم أيضاً وهب بن منبه الذي حدّّث بأخبار الأنبياء وأحاديث بني إسرائيل وغيرها.

تناول الكتاب أربعة مواضيع، كان الأول في بناء القدس زمن داود عليه السلام، والفضائل التي تعود على مَن يقيم شعائر الله في البيت المُقدَّس، والإسراء بالنبي (r) إليه، وفتح عمر بن الخطاب بيت المقدس سنة (15هـ/636م) وبناء المسجد الأقصى، وعناية عبد الملك بن مروان ببناء قبة الصخرة وزخرفتها، وتحرير صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس سنة (583هـ/1187م) من يد الصليبين، ويبدو من ذلك أنه أعطى صورة شاملة لبيت المقدس، فقد جمع بين الأهمية الدينية والتاريخية له.

وتناول في الباب الثاني تحديد الأماكن التي تُزار ببيت المقدس، إذ ربط بين الدين والجغرافيا من خلال إبراز أهمية تلك الأماكن من الناحية الدينية، والفضل الذي يحصل عليه الزائر، وجاء الثالث خاصاً بالأدعية التي يدعو بها الزائر في كل مكان طاهر ومقدّس ببيت المقدس، وأما الرابع فأفرده لزيارة القبور عامة وقبور الأنبياء خاصة، وما يتحصّل لزائرها من الفضل في الدنيا والآخرة.

أراد ابن شيث القرشي من خلال ما سبق توجيه أنظار المسلمين إلى أهمية زيارة بيت المقدس واعتبار ذلك شكلاً من أشكال الحج، فقد حدد مناسك الزيارة ووصف شعائرها، وعرَّف بالأماكن التي لها فضل ذلك، وأرشد زائريها روحياً لأداء الطقوس الدينية والدعاء فيها، فيكون بذلك قد وضع ما يشبه الدليل الجغرافي (السياحي) لزائري المدينة المقدّسة.

النص الكامل

No comments:

Post a Comment